الجمعة 19 ديسمبر 2025 11:10 صـ 28 جمادى آخر 1447 هـ
بوابة بالعربي الإخبارية
المحرر العام محمد رجب سلامة
×

منظومة الكهرباء السعودية.. من ”أمن الشبكة” محلياً إلى ”عوائد التصدير” عالمياً

الأربعاء 17 ديسمبر 2025 10:04 صـ 26 جمادى آخر 1447 هـ
سامر. شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض
سامر. شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض

في عالم الطاقة، لا مكان للقفزات العشوائية، بل للخطوات المحسوبة بدقة "الجهد العالي". هكذا يمكن قراءة تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء السعودية بالأمس خلال المؤتمر السعودي للشبكات الذكية، حول استهداف المملكة تصدير الكهرباء إلى "دول عالمية" قريباً.

هذا الإعلان، المدعوم برقم بنية تحتية ضخم (تركيب 11.5 مليون عداد ذكي)، لم يأتِ من فراغ، ولم يكن وليد لحظة حماس. بل هو تتويج لمسار طويل من "التأني الاستراتيجي" واختبارات الربط الإقليمي التي خاضتها المملكة بصمت ونجاح طوال السنوات الماضية.


من "حقل تجارب" الخليج إلى العالمية

قبل أن تتحدث الرياض اليوم عن التصدير للعالم، كانت قد أمنت ظهرها بتجربة ناجحة وراسخة عبر "هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي". لسنوات، كانت الشبكة السعودية هي العمود الفقري لهذا الربط، تتبادل الطاقة مع الكويت والبحرين والإمارات، مما وفر مليارات الدولارات وعزز استقرار الشبكات في أوقات الذروة.

هذه التجربة الخليجية كانت بمثابة "الإثبات العملي" لكفاءة الشبكة السعودية. واليوم، مع مشاريع الربط الاستراتيجي الضخم مع مصر (بقدرة 3000 ميجاواط) الذي يعد جسراً للقارة الأفريقية ومنها لأوروبا، ومع اتفاقيات الربط مع العراق والأردن، تنتقل السعودية من مرحلة "تبادل الطوارئ الإقليمي" إلى مرحلة "التصدير التجاري العالمي".


العدادات الذكية.. عين على التصدير

الربط بين إعلان التصدير وبين الانتهاء من تركيب 11.5 مليون عداد ذكي في 30 ألف مدينة وقرية ليس عبثياً. في السابق، كانت إدارة الفائض للتصدير عملية معقدة فنياً. اليوم، العدادات الذكية حولت الشبكة إلى منظومة رقمية (Smart Grid) توفر بيانات لحظية دقيقة عن حجم الاستهلاك والإنتاج.

هذه "الرقمنة" هي التي تمنح المفاوض السعودي القوة عند توقيع عقود التصدير الدولية؛ فهو لا يبيع "توقعات"، بل يبيع طاقة موثوقة ومقاسة بدقة، مدعومة ببنية تحتية أثبتت صلابتها.


لماذا الآن؟

توقيت الإعلان يعكس نضوج الرؤية. السعودية لم تستعجل التصدير قبل أن تضمن أمرين:

1. الموثوقية الداخلية: عبر تعزيز الشبكات المحلية والوصول لـ 11.5 مليون عداد ذكي لضبط الاستهلاك.

2. تنويع المصادر: دخول مشاريع الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح) على الخط يعني أن السعودية ستقوم مستقبلاً بتصدير "طاقة نظيفة" منخفضة التكلفة، وليست طاقة مُنتجة بحرق الوقود فقط، مما يمنحها ميزة تنافسية هائلة في الأسواق الأوروبية المتعطشة للطاقة الخضراء.

ختاماً، ما نشهده هو تحول السعودية من "بنك للنفط" إلى "ممر عالمي للطاقة". خطوة بُنيت بتأني شديد، بدأت بالربط مع الجار القريب، وتتمدد اليوم لتصل إلى الشريك البعيد، مدفوعة ببنية تحتية ذكية وإرادة سياسية لا تعرف المستحيل.

موضوعات متعلقة