الخليج يقود تحولاً جديداً في صناعة الاستشارات.. السعودية في الصدارة
يشهد قطاع الاستشارات في منطقة الخليج تحولاً جذرياً يعيد رسم ملامحه، مع انتقال الحكومات والشركات من مرحلة التخطيط النظري إلى التنفيذ العملي وتحقيق الأثر الملموس على الأرض.
ففي ظل تسارع الاستثمارات الضخمة وتنامي الطموحات التنموية، لم تعد الاستراتيجيات الجريئة كافية وحدها، بل أصبح التركيز منصباً على تحويل الرؤى إلى نتائج واقعية وبناء قدرات طويلة الأمد.
وبحسب دراسة حديثة صادرة عن شركة «ستراتيجي آند»، التابعة لشبكة «برايس ووترهاوس كوبرز»، فإن الطلب المتزايد في المنطقة يتجه نحو شركاء يجمعون بين الخبرة العالمية والفهم المحلي، ويقيسون نجاحهم بقدرتهم على إحداث أثر قابل للقياس داخل المؤسسات.
تحول في المعايير.. من النصيحة إلى التنفيذ
يقول جاد الحاج، المدير العام والرئيس الإقليمي في «ستراتيجي آند» الشرق الأوسط: «ما يميز المرحلة الحالية هو التركيز على تحقيق قيمة مستدامة تتجاوز حدود التخطيط، عبر بناء شراكات تدمج المعرفة ضمن سلاسل القيمة الوطنية».
ويضيف أن المشهد التنافسي بات أكثر حيوية مع دخول شركات محلية متخصصة وفرق استشارية داخل المؤسسات الحكومية، إلى جانب شركات التكنولوجيا التي تقدم حلولاً استشارية رقمية مبتكرة، ما أدى إلى إعادة تشكيل السوق ورفع مستوى التنافس على تقديم القيمة الفعلية لا الوعود النظرية.
المشروعات العملاقة.. اختبار حقيقي لفعالية الاستشارات
تُبرز المشروعات الضخمة ومبادرات التنويع الاقتصادي في الخليج حجم التحول الذي يعيشه القطاع.
وتعد المملكة العربية السعودية مثالاً واضحاً على هذا التحول، إذ تُواصل برامج مثل وجهة البحر الأحمر ومدينة القدية ومشروعات نيوم تعزيز موقع المملكة كسوق رائدة في قطاع الاستشارات بالمنطقة.
ويرى الحاج أن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في ضمان التنفيذ المتقن وتحويل الاستثمارات إلى نتائج اقتصادية ملموسة، من خلال تعزيز القدرات التنظيمية وتكامل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحقيق النمو المستدام.
الذكاء الاصطناعي.. شريك جديد للمستشارين
يقف الذكاء الاصطناعي في صميم التحول الجاري داخل قطاع الاستشارات، حيث لم يعد دوره مقتصراً على دعم التحليل، بل أصبح أداة رئيسية لإعادة تعريف العلاقة بين الاستراتيجية والتنفيذ.
ويقول الحاج إن الذكاء الاصطناعي «مكّن المستشارين من تحقيق كفاءة غير مسبوقة في التحليل واستخلاص الرؤى، مما أتاح لهم وقتاً أكبر للتفاعل مع العملاء وصياغة قرارات استراتيجية طويلة الأمد».
ويؤكد أن التكنولوجيا لا تُلغي الدور البشري، بل تعززه من خلال تمكين المستشارين من التركيز على التحليل النقدي وصنع القرار وإدارة الحوكمة.
الكوادر الوطنية في صدارة التحول
وفي موازاة التحولات التقنية، تتجه الشركات العالمية لتعزيز القدرات المحلية.
فقد أطلقت «ستراتيجي آند» برنامج "قادات" لتأهيل الكوادر الخليجية، الذي يمتد لعشرة أشهر ويهدف إلى صقل مهارات الخريجين الجدد من خلال التدريب العملي والمشاركة في المشروعات الإقليمية.
ويركز البرنامج على إعداد جيل جديد من القادة المحليين القادرين على قيادة التحول وتحقيق الرؤى الوطنية.
نمو متسارع وسوق أكثر تنافسية
يشهد سوق الاستشارات في دول الخليج نمواً متسارعاً مع ارتفاع سقف التوقعات وتزايد المنافسة.
فلم يعد نجاح الشركات يقاس بعدد التقارير أو التوصيات، بل بما تتركه من أثر ملموس داخل المؤسسات وبمدى استدامة القدرات التي تُبنى عقب انتهاء المشاريع.
ويختتم الحاج حديثه قائلاً: «المنطقة اليوم تُعيد تعريف مفهوم المستشار الموثوق. عملاؤنا لا يبحثون فقط عن حلول، بل عن شركاء حقيقيين يساعدونهم على بناء المستقبل وتحقيق تطلعاتهم طويلة الأمد».










