طوفان الطرود يربك حدود أوروبا… والجمارك على أبواب إصلاح جذري
يواجه الاتحاد الأوروبي تحدياً متزايداً في ضبط حدوده الجمركية، مع التدفق الهائل للطرود القادمة يومياً من خارج التكتل، خصوصاً في ظل الطفرة الكبيرة للتجارة الإلكترونية. فمع دخول أكثر من 12 مليون طرد يومياً، باتت قدرات الجمارك على الفحص والتحقق من الرسوم والامتثال للقوانين تحت ضغط غير مسبوق، ما دفع بروكسل إلى إطلاق مسار إصلاح جذري لمنظومة الجمارك الأوروبية.
طوفان الطرود وضعف الرقابة
تشير البيانات إلى أن جزءاً كبيراً من الطرود الواردة إلى الاتحاد الأوروبي منخفض القيمة وصغير الحجم، إذ دخل نحو 4.6 مليار طرد خلال عام 2024 بقيمة معلنة تقل عن 22 يورو للقطعة الواحدة.
ورغم هذا الحجم الهائل، لم تتجاوز نسبة ما فحصته سلطات الجمارك من إجمالي الواردات 0.0082 في المائة فقط، وفق أرقام المفوضية الأوروبية.
من جهته، حذّر ديوان المحاسبة الأوروبي من أن إجراءات الفحص في بعض الدول الأعضاء تفتقر إلى الصرامة، كما أن تفاوت تطبيق القواعد الجمركية بين الدول يفتح الباب أمام عمليات التحايل والتهرب.
إصلاح شامل لمواجهة تحديات التجارة الإلكترونية
في عام 2023، طرحت المفوضية الأوروبية حزمة إصلاحات تهدف إلى تحديث منظومة الجمارك، وتقليص التعقيدات الإدارية، والتعامل مع الزيادة الحادة في الشحنات المرتبطة بالتجارة الإلكترونية.
وتركز الخطة على تحسين إدارة تدفق الطرود القادمة من دول خارج الاتحاد، ولا سيما من الصين، التي تمثل جزءاً كبيراً من هذا النشاط التجاري.
إلغاء الإعفاء الجمركي ورسوم جديدة
ضمن مسار الإصلاح، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على إلغاء الإعفاء الجمركي الحالي على الطرود الذي يقل عن 150 يورو، وذلك بعد استكمال الإجراءات التشريعية المتوقعة بحلول عام 2028.
وخلال الفترة الانتقالية، سيتم فرض رسوم جمركية مؤقتة على الطرود الصغيرة، إلى جانب مقترحات بفرض رسوم عامة على المناولة، لا تزال قيد النقاش بين الدول الأعضاء.
منصة موحدة وهيئة جديدة للجمارك
يهدف الإصلاح إلى توحيد الإجراءات وتعزيز التعاون بين سلطات الجمارك في الدول الأعضاء، وتحسين تحصيل الرسوم والضرائب، وتوفير حماية أفضل للسوق الأوروبية.
ولتحقيق ذلك، سيتم إنشاء «منصة بيانات الجمارك الأوروبية»، تحت إشراف «هيئة الجمارك الأوروبية» المرتقب إطلاقها. وستعمل الهيئة بوصفها مركز دعم رئيسياً للجمارك الوطنية، مع التركيز على تبسيط الإجراءات، وتحسين سلامة المشتريات الإلكترونية، وتوفير أدوات موحدة وأكثر كفاءة.
وتتوقع بروكسل أن يسهم هذا التحول في خفض التكاليف بنحو ملياري يورو سنوياً، من خلال الاستعاضة عن أنظمة تكنولوجيا المعلومات المتفرقة المعمول بها حالياً في الدول الأعضاء.
الجدول الزمني ومقر الهيئة
من المقرر إطلاق هيئة الجمارك الأوروبية في عام 2026، على أن تحصل الشركات على أول إمكانية وصول إلى منصة البيانات بحلول 2028. ويبدأ الاستخدام الطوعي في عام 2032، قبل أن يصبح إلزامياً في عام 2038.
أما اختيار مقر الهيئة، فقد دخل مرحلة التنافس، مع تقدم تسع دول بطلبات رسمية لاستضافة المقر، من بينها بلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، وبولندا. ومن المتوقع صدور القرار النهائي في فبراير المقبل، بالتعاون بين المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي.
الجمارك وحماية السوق الأوروبية
ترى بعض الدول أن تعزيز الاتحاد الجمركي يشكل أداة أساسية لحماية السوق الأوروبية والمستهلكين. وفي هذا السياق، أكد وزير المالية البولندي أندجي دومانسكي أن «تجارة أكثر أماناً تعني أوروبا أكثر أماناً».
لكن في المقابل، لا تزال الخلافات قائمة حول كيفية إدارة سياسات التجارة والجمارك المشتركة، خصوصاً مع تصاعد التوترات التجارية العالمية. وتدفع بعض الدول، وفي مقدمتها فرنسا، نحو إعطاء أولوية أكبر للمنتجات الأوروبية عبر مبادرات مثل «صنع في أوروبا»، وهي أفكار تواجه معارضة من عدد من الدول الأخرى، ما أدى إلى تأجيل طرحها إلى العام المقبل.
