بوابة بالعربي الإخبارية

لغة الـ 12 مليار دولار.. السعودية تتجاوز «مرحلة الوعود» وتدشن حقبة «الهيمنة الخضراء»

الأربعاء 10 ديسمبر 2025 10:24 صـ 19 جمادى آخر 1447 هـ
سامر. شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض
سامر. شقير - رائد استثمار وعضو مجلس التنفيذيين اللبنانيين بالرياض

في الوقت الذي يغرق فيه العالم في نقاشات لا تنتهي حول "من سيدفع فاتورة المناخ؟"، وتكتفي فيه العديد من الدول بصياغة التعهدات الدبلوماسية في المؤتمرات الدولية، اختارت الرياض طريقاً آخر أكثر براغماتية وصرامة: التحدث بلغة المال.

حين يعلن وزير الاستثمار، خالد الفالح، أن المملكة أصدرت استثمارات خضراء وتمويلاً مستداماً بقيمة 12 مليار دولار هذا العام وحده، مستحوذة بذلك على "الثلثين" من سوق التمويل الأخضر في الشرق الأوسط، فنحن هنا نغادر مربع "التنظير البيئي" لندخل رسمياً عصر "الهيمنة المالية" السعودية على هذا القطاع الحيوي.

الأرقام التي كُشف عنها في "مؤتمر التمويل التنموي" بالرياض ليست مجرد إحصاءات؛ إنها إعلان عن تغيير في موازين القوى. أن تمتلك دولة واحدة حصة مهيمنة تتجاوز الـ 65% في سوق إقليمي كامل، فهذا يعني أن الرياض باتت "المرجع" و"المعيار" و"الخزنة" لمستقبل الاستدامة في المنطقة. لم يعد الأمر يتعلق فقط بكون السعودية عملاقاً للنفط، بل بكونها اليوم "البنك المركزي" غير الرسمي للتحول الأخضر.

ما يميز النموذج السعودي هو "النضج المؤسسي" الذي يدير هذه المليارات. نحن لا نرى إنفاقاً حكومياً عشوائياً، بل نرى منظومة مالية معقدة ومتكاملة: من "إطار التمويل الأخضر" الذي وضعته وزارة المالية، مروراً بجرأة صندوق الاستثمارات العامة في طرح "سندات القرن" الخضراء (لأجل 100 عام) وجذب 18 مليار دولار من الطلبات، وصولاً إلى إنشاء أكبر منصة لتداول أرصدة الكربون في العالم. هذه ليست تحركات دولة "تجرب" حظها في السوق، بل تحركات صانع سوق محترف يفرض قواعده.

اللافت للنظر في هذه المعادلة هو دور القطاع الخاص الذي بات يقود الدفة بتمويل 76% من إجمالي الاستثمارات. هذه النسبة المرتفعة هي الدليل الأقوى على نجاح "رؤية 2030" في تحويل المشاريع البيئية من "عبء تنظيمي" إلى "فرصة ربحية". عندما يضخ صندوق التنمية الوطني 52 مليار ريال في عام واحد، ويمول مشاريع هيدروجين وطاقة شمسية بمليارات الجيجاواط، فهو يرسل إشارة تطمين حاسمة للمستثمرين بأن الدولة تقف بصلابة خلف هذا التحول.

وحتى عندما نتحدث عن التقنية، نجد التناغم حاضراً. فالاستثمار في الذكاء الاصطناعي (30 مليار دولار) الذي أشار إليه الفالح، ليس معزولاً، بل هو "الممكن الرقمي" لهذه الاستدامة. المشاريع العملاقة مثل "البحر الأحمر" و"نيوم" لا تُبنى فقط بالإسمنت، بل تُبنى بخوارزميات الكفاءة وأدوات التمويل الأخضر، لتكون مدناً بانبعاثات صفرية وعوائد مليارية.

الخلاصة، أن السعودية بهذا الرقم – 12 مليار دولار – تنهي جدلية التعارض بين "الطاقة" و"البيئة". المملكة تقول للعالم اليوم بوضوح: نحن لا ننتظر الحلول لنشتريها، ولا ننتظر التمويل لنقترضه. نحن نصنع الحلول، ونبتكر أدوات تمويلها، ونقود المنطقة بأسرها نحو اقتصاد أخضر، ليس بالشعارات، بل بلغة الأرقام التي لا تكذب.